حارس الحكايات

.هيدي قصة حصلت معي يوم الجمعة وكنت قد وعدت بالكتابة عنها بهد انتهاء التصوير، ولكني كنت منهكة فتركتها حتى اليوم

في بلادنا هناك مشكلة عنف (شراسة تقريباً) مدفون في النفوس لأننا ربما تربينا في ظروف غير مثالية. الحديث هنا عن لبنان بشكل خاص وبيئة عدم الأمان المستشرية فيه بحيث يتكلم كل شخص مع الآخر وكأنه يريد أن يأكله في كثير من الأحيان. حقيقة.

يوم الجمعة صباحاً، توجهت بسيارتي من بلدتنا غزة إلى بلدة قب الياس حيث تمر الباصات التي تنقل الركاب من بيروت إلى البقاع لكي أقلّ ابن خالي ابراهيم الذي يعمل معي على تصوير فيلم وثائقي في القرية

بما أن المشوار كان مقتصراً على أن يصعد ابراهيم في السيارة ونعود إلى البيت فإني لم أكلف نفسي عناء ارتداء ثياب مرتبة وذهبت بـ “شحاطة” البيت. هذه تفاصيل صغيرة لكنها ستصبح مهمة بعد قليل فتحمّلوا معي

ولكي لا أذهب بمفردي سألت خليل، صديقي الصغير، إذا كان سيأتي معي. فرح خليل وقال أنه سيجلب معه بطاقة الهاتف (سيم كارد) كي يصلح فيها شيئاً

وجدنا ابراهيم في قب الياس، حيث أخبرنا أن علينا أن نتوجه إلى شركة الـ “ام تي سي” في شتورا لكي يصلح خليل ما أفسده “الوزير” بجعل كل هاتف مربوطاً بالبطاقة التي فيه -وهو أمر لا زلت لا أدرك جدواه سوى إما التجسس على الناس أو قبض الفلوس. ولكن، ما علينا

وصلنا إلى الشركة وقررت أنه كي لا ينزل خليل منفرداً وهو ابن الأحد عشر عاماً سأنزل معه -خاصة أن ابراهيم قد فك جبيرة رجله حديثاً ولا يزال يستعمل العكاز للمشي. المهم أني نزلت مع خليل وتوجهنا إلى مدخل الشركة حيث لم يكن مظهرنا بالشحاطة يوحي بأننا نملك قليلاً من القيمة في لبنان على ما يبدو

موظف يعمل حارساً (!) في الشركة استقبلنا بمجرد أن فتحنا الباب والتهمنا بسؤاله

“شو عندكم؟”

نعم: يا ستار (في قلبي طبعاً

“نريد أن ننقل شريحة من هذا التليفون إلى هذا التليفون الذي تم شراؤه في سوريا،” قال خليل
“متى أتيت من سوريا؟”
“من زمان”

كان خليل حتى اللحظة يتحاور مع الرجل ولكني أحسست بأن الرجل يحدثه بطريقة فوقية جداً، وهو مع عدم المؤاخذة، حارس وليس موظفاً ونحن لم نجئ لسؤال الحارس عن كرت الهاتف. تضايقت وقلت للرجل

“ما دخل هذا بذاك؟ ألا يستطيع الموظف أن يجعل الجهاز يعمل؟”

فنظر إليّ الحارس بوجه مكفهرّ ورفع صوته قائلاً
“انت متى أتيت من سوريا؟”
“أنا لم أجئ من سوريا”
“من أين جئت؟”
“أنا من بيروت”

الموظف المحترم، تلبّك قليلاً، وتناول هاتفه وتظاهر بأنه يتكتك فيه بعض الأزرار. وفي هذه اللحظة قلت في نفسي أني لن أغادر هذا المكتب دون أن يعمل الهاتف. وقد كان

فلنعد إلى لحظة الـ: “أنا لم أجئ من سوريا”. لقد شعرت بعد أقل من جزء من الثانية على هذا التصريح الذي أدليت به أن المجيء من سوريا تهمة. وأنا إنسان يحبّ سوريا كثيراً ويعزّ عليّ أن تتم الإشارة لها كـ “هذا المكان الموبوء الذي يأتي منه اللاجئون.” لقد احتقرت نفسي في هذه اللحظة أكثر مما احتقرت الجالس أمامي. أدرك الآن أن كل هذا الحديث كان يدور والرجل جالس ونحن واقفون. ما علينا

المهم أنني لوهلة قصيرة جداً شعرت بمدى الذلّ الذي يتم التعامل به مع السوري في هذا البلد، حتى من قبل الناس العاديين

هل جاء السوريون ليتفسحوا عندك يا حارس مبنى شركة توتش في شتورا؟ هل تركوا بيوتهم وأراضيهم رغبة منهم وأتوا ليتعلّموا الفساد والطغيان وأكل الهواء الذي عندنا؟ كلا! لقد هربوا بأطفالهم ونسائهم من الموت، وهم ولم يطلبوا منك أصلاً أن تخدمهم بالمجّان
وأقل ما يمكن أن تفعله يا حارس مبنى شركة توتش في شتورا هو أن تحترم إنسانيتهم وتعاملهم كبشر. أنا وخليل لم نطلب منك أن تبتسم لنا أو أن تكون لطيفاً. ولكن أن تحترم نفسك وتتعامل مع غيرك بتهذيب، ولو أتاك بشحاطة، فهذا أضعف الإيمان

2 thoughts on “حارس الحكايات

What do you think? Please leave a comment! :)